قضية الشهيد أمين القرامي تكشف هويّة قنّاص من الجيش
عين على الحكومة التونسية مراجعة قوانينها للتقليص من الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع بها المحاكم العسكرية للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي قد ترتكبها القوات العسكرية أو قوات الأمن”
إيريك قولدشتاين نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش
يتّفق المتابعون لمسار العدالة الإنتقاليّة في تونس أنّ الرّكيزة الأساسيّة للإصلاح الفعلي هي معرفة حقيقة ما حصل ابتداء من 17 ديسمبر 2010، و تحديد المسؤوليات الميدانية و القيادية في تفاصيلها ثمّ مُحاسبة المتّهمين في ظلّ الجدية و الشفافية لجعل الجميع يرضون بالأحكام القضائية و يستشرفون المستقبل.
واقع الحال في تونس إلى الآن عكس ذلك تماما، فقد تُرك المجال لمعالم الجريمة أن تُطمس و لم يُفتح أيّ تحقيق قضائيّ إلى حين يوم 24 فيفري 2011 حيث فُتح أوّل تحقيق من طرف النيابة العامة في المحكمة الابتدائية بالقصرين.
أمّا صُلب وزارة الداخلية فقد بقي المسؤولون عن مجازر الثورة في مناصبهم، بل منهم من رُقّي، و رغم تعاقب الوزراء أحمد فريعة من 12 جانفي إلى 27 منه و فرحات الراجحي من 27 جانفي إلى 28 مارس والحبيب الصيد من 28 مارس إلى يوم 26 ديسمبر 2011 ثمّ تولّي علي العريّض للوزارة فلم يحرّك أحد ساكنا في اتّجاه مجرّد فتح تحقيق إداري حول التدخّل الأمني ما بين 17 ديسمبر إلى غاية 14 جانفي 2011.
بالنسبة للمؤسّسة العسكريّة فإنّ وعود القضاء العسكري الغير مُحقّقة إلى الآن بتقديم القنّاصة الذين سُلّموا لها بعد 14 جانفي من طرف المواطنين للمُحاكمة، و الإخلالات المُتراكمة أثناء المحاكمات العسكريّة لقتلة شهداء الثورة جعلت الكثير من المُحلّلين يتساؤلون عن ما إذا كان القضاء العسكري خاضعا للحرس القديم في وزارة الداخلية، و جعلتهم يعيدون تقييم دور الجيش قبل و بعد 14 جانفي 2011.
بعد تغطية الندوة التي عقدتها عائلات الشهداء بالكرم الغربي يوم السبت 28 جويلية 2012 تحت عنوان “من قتل شهداء الثورة و لماذا تجاهل القضاء العسكريّ الأدلّة في قضيّة شهداء تونس ؟” نفتح اليوم ملفّا طالما اكتساه الغموض و تطويع الوقائع لتلائم الأهواء أو السطحية في التحليل و الإثارة المخالفة للموضوعيّة في الطرح، سنُحاول من خلال هذا التحقيق الموثّق أن نفكّ شيفرة تورّط قنّاص من الجيش الوطني في جريمة قتل يوم 17 جانفي 2011 و مُحاولة المحكمة العسكريّة بتونس التعتيم على القضيّة.
من ضمن أكثر الملفّات المُعتّم عليها سواء في التحقيقات القضائية أو الصحفيّة ملفّ رُماة القنّاصة، فقد تحدّث سياسيون و رجال قانون و أمنيّون كثيرون في المسألة سواء حول التعريف القانوني و الأمنيّ للمصطلح أو حول إمكانيّة وجود قنّاصة من عدمه، و إلى أيّ جهاز ينتمون و إمكانيّة وجود فرق مُختصّة في القنص.
القضيّة عدد4283 بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس أو قضيّة الشهيد أمين القرامي تحمل في طيّاتها مُعطيات خطيرة تعيد طرح ملفّ القنّاصة على الساحة و تجعل المحلّلين يتناولون الموضوع بشموليّة لفهم تفاصيلها و لإدراك الحقيقة.
المُتّهم بقتل الشهيد أمين القرامي يوم 17 جانفي 2011 هو الوكيل أوّل رقم 655 محمّد السبتي بن مصباح بن محمد مبروك، رامي قنّاصة بجيش البرّ.
كشف قاضي التحقيق بالمكتب الثالث بالمحكمة الإبتدائية ببنزرت حينها السيد عماد بوخريص عن ملابسات الجريمة و عن مسؤوليّة القنّاص في قتل الشهيد أمين القرامي قبل أن يتخلّى عن القضيّة يوم 31 مارس 2011 بموجب الفصل 52 من مجلّة الإجراأت الجزائية و استنادا للفقرة السادسة من الفصل الخامس من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة و التي تنصّ على أنّ :
“المحاكم العسكريّة تختصّ بالنظر في جرائم الحقّ العام المُرتكبة من قبل العسكريين أو ضدّهم أثناء مباشرتهم للخدمة أو بمناسبتها”
في ذات السياق تخلّي القضاء المدني عموما عن الملفّ بمُقتضى الفصل 22 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 06 أوت 1982 و المنقح بالقانون عدد 58 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000 و المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي و الذي ينصّ أنه :
“تحال على المحاكم العسكرية ذات النظر القضايا التي يكون أعوان قوات الأمن الداخلي طرفا فيها من أجل واقعة جدت في نطاق مباشرة العمل و لها مساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بحفظ النظام في الطريق العام و بالمحلات العمومية و الخاصة و ذلك أثناء أو اثر الاجتماعات العامة و المواكب و الاستعراضات و التظاهرات و التجمهر.”
إثر ذلك تعهّدت المحكمة العسكرية الدائمة بتونس بملفّ القضيّة و أحيطت الجلسات الثلاثة المنقضية فيها بالسريّة، فالقضيّة نظريّا علنيّة لكنّ تراتيب انعقادها و إدارتها أخضعتها بصورة إستثنائيّة للسريّة، و بالرّغم من إحالة رامي القنّاصة محمّد بن مبروك منذ أكتوبر 2011 بتهمة القتل العمد بإضمار و هي جريمة منصوص عليها و على عقاب مرتكبيها بالفصلين 201 و 202 من المجلة الجزائية فإنّه لا يزال طليقا إلى حدّ الآن.
إنعقدت يوم الثلاثاء الماضي 31 جويلية 2012 الجلسة الثالثة في قضيّة الشهيد أمين القرامي و تمّ تأجيل النظر فيها إلى يوم 03 أكتوبر 2012.
مُنع عموم المتابعين و الصحفيين من حضور الجلسة حسب ما أبلغنا به والد الشهيد أمين القرامي السيّد حسن القرامي و أكّد ذلك الأستاذ شرف الدين القلّيل عضو مجموعة ال 25 كما قام الرائد في الجيش الوطني “الفرحاني” حسب والد الشهيد بتضييق دخول أفراد عائلته للمحكمة فسمح بحضور والدي الشهيد أو زوجته، و قد قاطعوا المحاكمة إحتجاجا على ذلك.
لماذا يريد القضاء العسكريّ إذاً إحاطة قضيّة رامي القنّاصة محمّد بن مبروك بالسريّة ؟ لماذا بقي هذا الضابط المتّهم بالقتل العمد طليقا و لماذا تُرك في مهامّه العسكريّة إلى الآن ؟
أسئلة محوريّة تتفرّع عنها فرضيّات سنحاول وضعها في إطارها لنستخلص أرجح الإحتمالات.
تحصّلنا على ملفّ التحقيق المدني و العسكري الخاصَّ بالقضيّة و قرّرنا عرضه للرّأي العام و للمحلّلين و الخبراء خصوصا نظرا لخطورة ما يحتويه من بيانات.
لاحظنا أوّلا مهنيّة و جديّة قاضي التحقيق الثالث بالمحكمة الإبتدائيّة ببنزرت الذي أثبت علميّا مسؤوليّة القنّاص بجيش البرّ في قتل الشهيد أمين القرامي.
في سياق نفس التحقيق المدني خَلُص الطبيب الشرعيّ بعد تشريح جثّة الشهيد أمين القرامي أنّ :
1) وفاة أمين القرامي ناتجة عن صدمة دماغيّة على مستوى الجمجمة سبّبتها رصاصة تمّ إطلاقها بدقّة عالية من سلاح غير أوتوماتيكي.
2) مكّن التشريح من إعطاء تقييم لمسلك الرصاصة داخل الجمجمة
إيريك قولدشتاين نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش
“المحاكم العسكريّة تختصّ بالنظر في جرائم الحقّ العام المُرتكبة من قبل العسكريين أو ضدّهم أثناء مباشرتهم للخدمة أو بمناسبتها”
“تحال على المحاكم العسكرية ذات النظر القضايا التي يكون أعوان قوات الأمن الداخلي طرفا فيها من أجل واقعة جدت في نطاق مباشرة العمل و لها مساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بحفظ النظام في الطريق العام و بالمحلات العمومية و الخاصة و ذلك أثناء أو اثر الاجتماعات العامة و المواكب و الاستعراضات و التظاهرات و التجمهر.”
1) وفاة أمين القرامي ناتجة عن صدمة دماغيّة على مستوى الجمجمة سبّبتها رصاصة تمّ إطلاقها بدقّة عالية من سلاح غير أوتوماتيكي.
2) مكّن التشريح من إعطاء تقييم لمسلك الرصاصة داخل الجمجمة
2) مكّن التشريح من إعطاء تقييم لمسلك الرصاصة داخل الجمجمة

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire